غوستي رحمة ياني: أشجع الناس قلبا

بقلم: أحمد سترياوان هريادي

قد كتب الله لنا -يا غوستي- ألَّا نتعارفَ إلا بعد أن صعدتْ روحُكِ الطاهرة إلى بارئها.. وحين شاع خبر وداعك وكيف اشتغل به الناس، شيوخهم وكهولهم، رجالهم ونساؤهم، خاصتهم وعامتهم، علماؤهم وعوامهم؛ عرفتُ أنكِ -منذ وطأتْ قدماك هذا البلد- قد ملأتِ أعين الناس إعجابا وقلوبهم حبا، وعرفتُ أنكِ قد ملأتِ الوجودَ غبطةً بهمتك العالية، واطمئنانا بأخلاقك السوية.
أخذت أنظر إلى جموع الناس الذين يشايعون جثمانك الطاهر، إذا الكمد قد ألمَّ بهم فآثروا الصمت، وأخذت أنظر إلى صديقاتك الوفيات اللائي يجلسن بجانب الطريق، إذا تتولد من بكائهن نغمات الأحزان العميقة، كأنما لا شيء في حياتنا بعد فراقك يا غوستي إلا الحزن واليأس والكآبة.. فالشمس تشرق الحزن، والسماء تمطر الكآبة، والزهور تفوح اليأس.. وا غوثاه! كأن الوجود لا يتغنى  إلا بأنشودة الموتى.
إني أشهد أن الأوجاع لم تنل مني قط كما ينال مني الوجع بفراقك.. أتدرين لماذا يا غوستي؟ لأني لم أر في حياتي رجلا ولا امرأة أشجع منك قلبا، فأنت لم تهابي أن تبرزي لهؤلاء المجرمين كيف يكون العرض يحمى والعفة تصان، ولم تترددي في أمرك فآثرت من أجله فراق الحياة إلى الأبد.. ما أشد هذا الوجع يا غوستي!
أجل.. تعلمت منك يا غوستي كيف تكون شجاعة القلب في حياتنا تحقق، وكيف يكون الصدق في الأقوال تجسد، وكيف يكون الإخلاص في الأعمال تجسم.. تعلمت منك أن التدين الحق إنما هو بصفاء السريرة وصلاح التصرف، وأن الحق لا بد أن يعض عليه بالنواجذ مهما تكن الظروف.. تعلمت منك أن الجمال الحق الذي ينبغي أن يسعى إليه الإنسان إنما جمال النفس لا جمال الجسد،  ولذلك لم أستغرب من إقبال الناس عليك، وبالغ أحزانهم لفراقك إياهم. 
إنك يا غوستي أصبحت أستاذة لي مع أن القدر لم يشأ أن يجعلنا نتراءى ونتبادل أحاديث الدهور، وغدوت أقرب الناس روحا إلى روحي بعد رحيلك المحزن، فسبحان الله الذي أوقفني على أعجوبة الأرواح فرأيتها تتقارب وتتجاوب، والحمد لله الذي دلني على امرأة نموذجية تتمثل في شخصيتك يا غوستي، فأنا بعد ذلك أسعى إلى الوقوف على امرأة تجاريك في صفاء سريرتك وصلاح عملك.

بيت الطلبة الإندونيسيين من نوسا تنجارا وبالي، 20 يوليو 2014م

هناك تعليقان (2):

  1. الله ..... كتابة من قلب سليم وطاهر إن شاء الله.. ربنا يبارك فيك يا فضيلة الأستاذ..

    ردحذف
    الردود
    1. جزاكم الله يا سيدي
      وكم كنا ننتظر صفحاتك الذهبية لننهل منك صفاء علومك

      حذف