قال عمر بن الخطاب

من عرض نفسه للتهمة فلا يلومن من أساء به الظن

قال حكيم من الحكماء

أربعة توصل إلى أربعة: الصبر إلى المحبوب، والجد إلى المطلوب، والزهد إلى التقى، والقناعة إلى الغنى

قال زيد بن علي

ولا تستعينوا بنعم الله على معاصيه

قال أحد الأدباء

مهما يكن احتفالنا بيوم الفراق، واغتباطنا ساعته؛ فإن الفراق لا بد أن يترك فيما بعد كما هائلا من الوحشة

قال حكيم

كن بعيد الهمم إذا طلبت، كريم الظفر إذا غلبت، جميل العفو إذا قدرت، كثير الشكر إذا ظهرت

حديث الإنسان

بقلم: أحمد سترياوان هريادي
طالب الفرقة الرابعة بكلية الدراسات الإسلامية والعربية، جامعة الأزهر
علمتْنَا الحياة أن الإنسان من حقه أن يسمو بعقله ناجما، ويحيا بإنسانيته سيدا، ويطير بفطرته معاشرا الكونَ طليقا، ولا ينحني وجهه إلا للواحد القهار. وعلمتْنَا الحياة أن الإنسان عليه أن يعيش رحمة، ويسعى مصلحا، ولا تنبني تصرفاته إلا على أساس من العدل.
أجل.. إن الله هيأ لنا كل أسباب السيادة في الكون، وبسط لنا كل أسباب الرقي فيه، وزودنا بشريعة نبصر بها الصراط السوي فنسير عليه، ووعدنا الجنة مصيرا فنطرح العوائق في سبيله.. ومن هنا، ما أبسط حياة الإنسان! فهو في الدنيا -كما قال الأستاذ الإمام محمد عبده- «عبد الله وحده، وسيد لكل شئ بعده»؛ وأما في الأخرة فهو في فرح مؤبد وسرور مخلّد.
﴿وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ، وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ﴾.
هذا إذا نظرنا إلى حياة الإنسان إجمالا، أما إذا نظرنا إليها تفصيلا، فما أعظم العواعق التي تحول بين الإنسان وبين مصيره! وما أكثرها! وما أصعبها! ومع هذا، فإن الحياة تبدي لنا من حياة الإنسان وجها غير ما علّمتْه؛ فوظيفة الحياة الابتلاء، لأن الله جل شأنه لم يخلق الموت والحياة إلا ليبلونا أينا أحسن عملا، ومن الابتلاء يتم التعليم، ومن التعليم تكتمل الإنسانية بما فيها من قلب يفقه الإنسانُ به، وعين يبصر بها، وأذن يسمع بها.
فهذا هو الإنسان الذي لا يرتضي لنفسه عيشة الإنسان الحقة، فقد أولع بإخفاق دائمٍ في تدريب شيء مركوز في طبعه من الإرادة التي -كما قال الأستاذ سيد قطب- «يضبط بها رغباته وشهواته»، وهذا الإخفاق يستوجب استيلاء رغباته وشهواته عليه جملة وتفصيلا، فيصبح محكوما بها لا حاكما لها، وضروري أن هذا مما فطر الله عليه الحيوان، فهَمُّه الأول والأخير من حياته إشباعُ الرغبات والشهوات ما استطاع إلى ذلك سبيلا.
وما حياة الإنسان عن حياة الحيوان ببعيدة، إذ لو عرض على الإنسان شيء من الولاية والجاه؛ انحط ماجنا، وانهار عابدا، وانحبس جائعا، وانقلب عدله ظلما، وإصلاحه فسادا، ورحمته قسوة؛ فالكل منوط ومسيطر تحت سلطاني الولاية والبطن، وأضحى الإنسان مملوكا لرغباته وشهواته، فليس هناك عقل مرجح يميز به ما له وما عليه، ولا فطرة سليمة تشيره إلى دفع هبوط الجنس الإنساني عن نفسه. وعلى هذا، فإنه من الصعب العثورُ على شيء يفارق هذه العيشة من عيشة الأنعام..
﴿وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ﴾.
فوا عجبا من الإنسان! يتخلى عن إنسانيته فيرضى الانحدار فطريا وخُلُقيا إلى أحط الدركات، ومن قبلُ عقد ربه حفلا مهيبا بميلاده في الملأ الأعلى، وكان الخلق أجمع له شهودا، وتولى الله تعالى تعليمه الأسماء كلها، وأسجد الوجودَ له تكريما، وأعلن سيادته في الأرض، وجعل الكون له عونا في هذه السيادة؛ من تسخير الله تعالى له ما في السماوات وما في الأرض. ومكّنه الله تعالى في جنته ليتعلم درسه الأول، ويستدرك حقيقته الكامنة التي لم يكن يعلمها، قبل أن يتولى خلافة الله في الأرض؛ ألا وهو ضبط النفس عند حد، واستجلاء ما له من عدو لدود، وابتداء المعارك الطويلة في جولات لا يعرف منتهاها إلا علام الغيوب..
﴿وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ، فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ، وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ، فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾.
ما أنفس هذا الدرس! وما أوقعه في النفس! عاد إلى نفس أبينا أدم عليه السلام وعيه ورشده بعد أن استعلى عليه رغباته الملحة وشهواته الدافعة، فنسي ما نهاه عنه ربه من الاقتراب من الشجرة، ثم فاض عليه شعور ما ارتكبه من الخطأ والغفلة، فأقبل إلى ربه رافعا يديه إلى السماء فهتفه في ضراعة: ﴿رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِين﴾..
انكشفت له بهذا الدرس حقيقته النفسية من أن طبيعته قابلة للخير والشر، وأن اللجوء إلى الله والاستماع إلى نبضات القلب الصافي يُلجِئانه إلى الخير، وكذا اللجوء إلى الهوى واتباع الشيطان لا يؤديان إلا إلى الهلاك المهيب والشقاوة الأبدية..
هذا هو درس نفيس يتعلق بالإنسان مع نفسه، أما ما يتعلق بالإنسان مع أخيه الإنسان فإنه ابتدأ بعد هبوط سيدنا أدم عليه السلام إلى الدنيا، وما قصة ابنيه إلا نقطة البداية له، فلو سردنا لك القصة كلها بما فيها من عبر وعظات، لطال بنا القول. وأيا ما كان الأمر، فإن الحياة علمتنا أن القاعدة الأساسية في كيفية التعامل مع أخينا الإنسان هي معاملة غيرنا كما نحب أن نعامل بها.
وهذه القاعدة -على بساطتها وسذاجتها-صعب عسيرة الإنفاذ، ففي سبيل إنفاذها وقفت الأنانية مانعة، والكبرياء حائلة، والضغينة حاجزة. ومع هذا، فإن هذه القاعدة تنغمس بها كل أسباب التفارق، وتنغرق بها كل أسباب التحاسد، وتنحط بها كل أسباب التباغض، وتنطمس بها كل أسباب التحارب. 
ها نحن أولاء حاليا بعد مرور العصور والأزمان منذ لحظة تلقى فيها أبونا أدم عليه السلام درسه الأول. لقد انتشر بنوه في كل بقاع العالم، كما مرت بهم حوادث شتى يقطفون منها درسا بعد درس يبصرهم الحق من الباطل في الاعتقاد، والصواب من الخطأ في الفكر، والخير من الشر في التصرف. فهذا قوم نوح وذاك قوم لوط، هذه عاد وتلك ثمود، هؤلاء أصحاب الأيكة وأولئك أصحاب الرس..
﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ﴾.
﴿قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيْرُوْا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوْا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِيْنَ﴾.
إننا لفي غنى بهذه العبر والعظات، ولكن العجب العجاب أننا متجهون نحو التخلي عن إنسانيتنا السامية المكرمة، ومولعون بما ننحط به فطريا وخُلُقيا إلى أحط الدركات، فنرتضي الخنوع إلى ما أسفه منا من الحيوانات والجمادات، ويسرنا ظلمُ أخينا الإنسان والفسادُ في الأرض، ويغرينا التفطرُ بفطرة الحيوان والتطبع بطبيعته من حب تعرية الجسم من اللباس، وتعرية النفس من الحياء من الله تعالى ومن الناس، فليس هناك شيء أعجب وأغرب لأصحاب الفطر السليمة من رؤية العري جمالا. وهكذا..
وهناك شيء لا يقل عجبا.. ألا وهو اتخاذنا الشيطان العدو اللدود خليلا، وقبله أقسم هذا العدو أمام الله تعالى على وقفه بالمرصاد في الحيلولة بين الإنسان وبين صراط الله المستقيم: ﴿فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ، ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِين﴾.
أجل.. إن الشيطان جعل الله شهيدا لهذه العداوة الضارية، فما بالنا نجحدها فنجعله خليلا؟! نُقبِل على ما يدعونا إليه من الجحد بالله، وتأليه الهوى، وإخلاء الإنسانية، وتلبية الرغبات، والرضا بالجهل. بل هناك طائفة تسمى «الشيطانية» في الغرب تتخذ الشيطان إلها، وتهتدي بهديه، وتستن بسنته. وقامت هذه الطائفة بجحد التدين عامة، وهدم شعائر الديانات خاصة، فاتخذت كل وسائل تمكنها في نشر الرموز الشيطانية، والطقوس الطائفية لتهيئة مجيئ المسيح الدجال سيد شيطان الإنس.
وا أسفا عليك أيها الإنسان! ما هذا الجنون! ما هذا الانتكاس الخَلقي!
نعم، لقد منحنا ربنا إرادة وقدرة نقود بهما أنفسنا إلى السعادة المخلدة أو إلى الشقاوة المؤبدة، وعلم ربنا أن الفطرة وحدها لا تُطيق إبصارنا الحق، وأن العقلَ وحده لا يسع قيادة الحياة العدل، فأرسل إلينا رسولا نهتدي بهديه، وأنزل إلينا كتابا نحتكم بحكمه. فهل علينا إلا السير على نهج نبينا صلى الله عليه وسلم؛ لتسمو به إنسانيتنا، وتنجلي به سيادتنا في الكون، وتتحقق به الجنة مصيرنا؟!
والله أعلم!
مدينة البعوث الإسلامية، 25 من نوفمبر 2013م / 20 من المحرم 1435هـ

صبرا يا صديقي

(إلى صديقي: الأستاذ علي مصطفى لون النيجيري)
بقلم الطالب: أحمد سترياوان هريادي الإندونيسي
صبرا يا صديقي! فإن ذهاب والدك إلى جوار ربه لخير دليل على حبه تعالى إياه، وكيف لا، فقد فاز أبوك بقربه تبارك اسمه عجِلًا، بيد أن معظم الناس في غفلة داجية، لا يعون أن مكثهم في هذه الدار الدنيئة لا يزيدهم إلا بعدا عن نور ربهم لما يعتادون من ارتكابهم الخطايا والمعاصي.
أبشرْ يا صديقي! فها هو ذا أبوك طليق من محبس هذه الدار الضيقة، خارج منها سعيدا باسما.. فقد وصفتَ أنتَ هذه الدار الشائهة بقولك:
هــذه الــــدارُ مـا لــهــا مــن قـــــــــرارِ ** ما على وجهها سوى المعضلات
فــاطـرحـنْهـــا وخـــذ بـــدار مــقـــــامِ ** تـــلــــقَ فــــيــهـا بــــــأعـظـم الـبُشــريات
فأخبرني أيها الصديق! هل من اللائق به أن تكون هذه الدار-فيما بعد- مقاما صالحا ليطيل فيه مكثه بعد أن أدى أمانته البشرية على خير ما يكون الأداء؛ كعبد صالح لله تعالى، وراعٍ تقي لرعيته، وأب مربٍّ لأولاده؟!
فقد أوجعني خبر وفاته، وذلك بعد أن عرفتُ أنك حديث العهد بلقائه، وما لبثتَ أنتَ في المدينة إلا أياما قلائل منذ مجيئك من بلدك، واشتد الوجع يا صديقي عندما قمت بزيارتك وأنت دامع العين، وكنت أستطيع وقتئذ أن أستدرك مآثر الأحزان في وجهك، وتحاول أنت قدر طاقتك أن تبدي لي أنا ومن معي الاطمئنان والسكون، وتبرز لنا اعتقادك الجازم بقوله عز وجل: ﴿وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا﴾، فأنت باعتقادك هذا راض بمقدوره عز وجل، مستريح البال، مطمئن النفس.
يا صديقي، أما تعلم أنه كفى أباك -رحمه الله- شرفا وفخرا، أن تَخَرَّجَ في مرباه شابٌ امتاز عن أقرانه بعمق علمه وسعة ثقافته، تخرج في مرباه شابٌ فاق أمثاله بالشاعرية الناجمة والشخصية البارزة، تخرج في مرباه شابٌ عَلَا نظراءه بالاسترسال في التفكير العميق وحب الاستطلاع، تخرج في مرباه شابٌ نبّاغ طمّاح امتلك كل أسباب السمو والرقي في التصرفات العلمية من عقل عَقُول ولسان سَؤُوْل.
إذن، فهل تليق دناءة هذه الحياة الدنيا به بعد أن قام بواجباته فيها أحسن القيام؟ وهل من اللائق به حاليا إلا أن تُعطَى حقوقه من البشريات التي وعد الله بها فيمرح ناجيا؟ فها هو ذا أبوك الذي مكّن نفسه في ضمن هؤلاء الشرفاء الكبار الذين لا يريدون إلا رؤية رب الأرض والسماوات.. وأنى يتحقق التمكين إذا لم يكن حرا طليقا من هذا المحبس الضيق؟ وهل علينا إلا الرضا بهذا المقدور المحتوم، والسماح برحله إلى ربه..
صبرا يا صديقي! إذا لم يكن ما سبق كافيا ليخمد الأحزان ويمحو الدموع، فلنتصفح الصفحات الماضية التي سطر عليها أقلامُنا من تجاربنا الخصبة ودراساتنا الممتعة.. يا صديقي، ألستَ أنتَ قائل هذه الأبيات:
يا أهلَ مصـر إذا نزلــتُ بــأرضـكـــم * ســــأزفُّ كـلَّ مــــودَّتـــــي وحَـــنـــــــانــــي
لـمّـــــا حلــــلتُ ديــــارَكـــم ووطــئتُــهــــا * ألــفيــتُ هـــذاالقلبَ فـــي اطـمئنـان
ووجـدتُ فيها كــلَّ مـا يــدعـو إلــى * فرَحٍ ويُـــخـــمـــــد جــمــــرةَ الأحـــــزان
إذن، فما بال الدموع لم تنته من سقوطها مع أن صاحب العين قد وطأ هذه الأرض المباركة، ووجد فيها ما يدفع إلى نفسه فيضا من السرور؟ وما بال الأحزان الكامدة والذكريات المؤلمة تُصِرّان على إطالة مكثهما في النفس مع أن مصر العزيزة قد محتْ سبيلهما إليها، وشغّلتْها بالطلب والتثقيف منذ حين؟
إذا كان مقالك فيما سبق تجسيدا مخطوطا أو ملفوظا لدخائل نفسك وبنات صدرك، أفلم يكْفِكَ -يا صديقي- مقالُك هذا حصنا حصينا لكل ما تعرّضّتَ له من هجوم الكمد والأسى؟! فأنت بحلولك هذا البلد ووطئك أرضه، في اطمئنان يدوم وفرح يطول.. وكيف لا يتحقق الاطمئنان والفرح فيه، فقد قال عز وجل عنه على لسان نبيه يوسف عليه السلام: ﴿ادْخُلُوْا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِيْنَ﴾.
وبعد، فإني أكبر الظن أن ما قدمتُ لك من قبل لن يكون قادرا على أن يورّي مآثر فجْعكَ عن الأنظار. وإني لأذكر كيف كان الفجع يشتد على سيدنا يعقوب عليه السلام في ابنه سيدنا يوسف عليه السلام، حتى غلبه على الصبر الجميل فقال: ﴿يَا أَسَفَا عَلَى يُوسُفَ﴾. ولم تكْفِه غلبة الفجع عليه، فأصرّ هو على تورية حزنه الكامد، فتجلّدَ في سبيلها حتى أصابه ما أصابه كما في قوله تعالى: ﴿وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ﴾.
وما أنت -يا صديقي- ببعيد عما أصاب سيدنا يعقوب عليه السلام من فقد أحب الناس إليه.. فها هو ذا أبوك الذي رباك بتربية أفضل ما تكون التربية، ودربك على النشاط في كسب العلم وتحقيق العمل، وغرس في نفسك شخصية محترمة ذات ثقة بالنفس، وسلك طريقا التمس فيه كل أسباب نبوغك. وها أنت ذا بفضل الله تعالى -عن طريق أبيك- تعلو أقرانك، وتفوق أمثالك بكل ما يمتاز به أهل الصفوة من خلق الله تعالى. فهل من المعقول أن يصبح مَنْ رجع إليه الفضل الأكبر في بناء شخصيتك نسيا منسيا؟ هيهات!
يا صديقي، إني أعتقد أني لم أستطع أن أجاريك في حزنك، وفي نظري أنه ما أحد منا قادرا على مسايرة المفجوع جملة وتفصيلا، الذي يختص بإحساسه أنه -كما قال الأستاذ سيد قطب- «منفرد بهمه، وحيد بمصابه، لا تشاركه هذه القلوب حوله ولا تجاوبه»، فينعزل عن غوغاء الحياة، ليستحضر ما فاته المفجوع مما ينبغي له أن يؤدى من الواجبات، أو يدرك من المكانة أيام المفجوع فيه؛ فيزداد المفجوع ندما وحزنا..
لكن ذلك الإحساس ليس مبررا للمفجوع في استرسال الأحزان واستدام الأكباد، لأن المؤمن الموصول قلبه بالله، المتجه مسيره إلى الله، لا ييأس من فرج الله ورحمته أبدا، ولو أحاطت به الكروب، واشتدت عليه المصائب، لأنه ﴿لَايَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّاالْقَوْمُ الْكَافِرُون﴾.
وفي هذه المناسبة، أذكر أن الأديب البرازيلي باولو كويلو كان يقول: «عندما يرحل أحد من الناس، فذلك لأن أحدا آخر على وشك وصول». وعسى -يا صديقي- أن تكون ممن على وشك الوصول، بعد ذهاب الشرفاء الكبار -منهم أبوك- إلى جوار ربهم، الذي سيقود العباد نحو مستقبل أفضل. آمين..
وبعد، فذلك ما استطعت يا صديقي أن أقدم لك من العزاء، ولست هنا بمدرس يدرس، ولا بمرشد يرشد، فأنت أحق بهما وأليق.. لكن ما هذا إلا محاولة خفيفة لاستحقاق الشخصية المسلمة من النصح للإسلام والمسلمين، وتذكير بأن الله تعالى لم يخلق الموت والحياة إلا ليبلونا أينا أحسن عملا، وأنه ﴿مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِيْنَ﴾.[]

بيت الطلبة الإندونيسيين من نوسا تنجارا وبالي، 17 من أكتوبر 2013م


يا سيدي

بقلم الطالب: أحمد سترياوان هريادي الإندونيسي
يا سيدي، إني أخاف أن تتبادر في ذهنك كراهتك على تلميذك هذا،  فيملأ نظرَك إليّ فيضٌ من الكراهة، وتستبعدني استبعادا ما يعوقني عن حلاوة ملازمتك، وتقعدني عن قطف ثمار العلم والحكمة من ثغرك البراق.
فكم كنت يا سيدي رافعا يدي إلى السماء وهاتفا ربي في ضراعة: «اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعوة لا يستجاب لها». وما دعوت بهذا الدعاء إلا لشدة خوفي من أن يذهب عني سحاب بركة العلم، وانهار في نفسي سمو أدب الطالب مع أستاذه.
يا سيدي، إليك أرسلَ تلميذُك هذا اعتذارَه البالغ لقِصَر فهمه، وضَحْل تفكيره، وقلة أدبه؛ فقد سألك في إحدى مجالسك الرحبة عن شيء تافه فقطعتَه أثناء إلقائه السؤال بكلمة «خطأ»، لكن هذا القليل الأدب أصرّ على استكمال سؤاله فقطعتَه بنفس الكلمة مرة ثانية ثم مرة ثالثة، إلى أن ختمت تعليقك بكلمتك الحكيمة: «ولكن أنتم قوم مستعجلون».
ما انتهتْ -يا سيدي- قلةُ أدب تلميذك هذا، فتمتم في طريقه إلى سكنه:
«لماذا نظر هذا الأستاذ إلى طلابه نظرة المجادل إلى خصومه، فباشر كل وسائل تمكّنه في إسكات من يكلمه أو يسأله، وحاول إبراز هيبة علمه وسعة ثقافته ما استطاع إلى ذلك سبيلا، فأقنع هو غيرَه ولا يقتنع السائلون، بل ولا يطمئنون إلى ما ألقاها من دروس؟».
«لماذا لا ينظر هذ الأستاذ إلى تلامذته نظرة الوالد إلى أولاده، الذي سلك طريقا يلتمس فيه كل أسباب النبوغ لأولاده، وأنشأ في نفوس أولاده شخصية ذات ثقة بأنفسهم، وغرس لأولاده مبدأ الشك، فلا يصدقون شيئا ما لا ينبني على دليل، ولا يثير الاقتناع في نفوسهم، ودرّب أولاده على التفكير العميق وحب الاستطلاع حتى يكون لديهم عقل عَقُول ولسان سَؤُول؟».
«رباه.. ما الشيء الذي فعلته أنا لأستاذي حتى لا يريد من لساني إلا الانعقاد عن الكلام؟ بيد أن نفسي ملتهبة عطشا إلى إجابته عن استفساري ببعض ما غمض عندي فيما ألقاها من دروس، وأنى يكون لنفسي الاطمئنان -يا سيدي- إذا ودعتَها بدون إجابة وقطعتني في سؤالي؟».
«كم كنت متمنيا يا سيدي أن تأتيني بالإجابة الجامعة المانعة؛ ما هي بعيدة عن سطح في التحليل، وقِصر في النظر أتم البعد؛ وأنا بإجابتك بعد ذلك مقتنع حيث لا تخطر على بالي فكرة الاستبانة، ولا ينطق لساني طالبا الاستفهام».
«يا سيدي لقد فقدتُ -بسبب إهمالك شأني وسؤالي- ثقتي بنفسي فشككت في كوني إنسانا طالبا، وقد تجمع في نفسي حاليا الأسى والحسر، لعلي في طريقي إلى سكني هذا أجد شيئا يدفع إليّ قليلا من السرور، أو يذهب عني الحزن».
«ها أنا ذا يا سيدي راجعٌ إلى سكني دامع العين.. إني في محاولة دؤوب لإخفاء هذه الدموع الساقطة باستحضار الذكريات الماضية الزاخرة، فمما يتبادر في ذهني أني أذكر كيف كنت أقيم حوارا مع أستاذي الدكتور زكي أبوسريع -حفظه الله- عندما درسنا مادة التفسير في الكلية، وكان فضيلته يشرح تفسير سورة مريم، وكان الكلام حينئذ عن عودة سيدنا عيسى عليه السلام إلى الدنيا كأحد عباد الله الصالحين، لا كرسول مرسل ولا نبي يبعث، فأخذتُ أسأل الدكتور كمنطلق حوارنا المثمر النافع: هل عودة سيدنا عيسى عليه السلام إلى الدنيا كعبد صالح تابع لشريعة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لا تخل بمكانته مع أنه من قبل كان نبيا ورسولا، فقد أثبت الله -كما أشار إليه المفسرون- أن هناك طبقات للإنسان من حيث مكانته عند الله في قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا﴾، وذلك نظرا إلى أن العبرة بالنهاية؟ وإني لأعرف حقا كيف كان فضيلته يلوح لنا سعادة باسمة، وتتجلى سعة صدره، وتنكشف رغبته الملحة في أن يكون طالب العلم ذا طابع ناقد وبصر نافذ ووعي يقظ».
وبعد، فذلك يا سيدي مما تمتم به هذا القليل الأدب والقصير الفهم، عقب تفرغه من مجلسك في الأحد الماضي (29/9) بالجامع الأزهر الشريف. وما زال مظهر الأسى غالبا على تصرفاتي حينئذ، فالحياة مضتْ يابسة مكتئبة، والدنيا تضيقتْ عليّ فتركتْني فريدا في مشأمة الإهمال، وأصبحتُ حصاة منثورة في الطريق، فهل من اللائق بي بعد ذلك البقاء في مدينة البعوث؟ كلا! فقد أضحى وجودي في المدينة واجفا مضطربا.
إن عزمي اشتد على التخلي عن المدينة حينا من الوقت، وأعددت كل شيء ما أنا بحاجة إليه أثناء مكثي خارج المدينة، فقررت أن يكون «بيت الطلبة الإندونيسيين من نوسا تنجارا وبالي» مصيرا.. ومن حسن حظي أن رجع صاحب البيت الزميل أحمد سوجانا من الدراسة عقب وصولي ذلك البيت، وكان معه كتاب «موقف القرآن الكريم من العلماء» للأستاذ الدكتور السيد إسماعيل سليمان.
وقد بدأت حينئذ أسترسل في التفكير العميق حول ما كتمته من سوء الأدب معك يا سيدي، وما تمتم به ثغري من الكلمات السيئة الساقطة التي يأباها طالب الحق أشد الإباء. وقد دفعني شعور قلة أدبي معك يا سيدي إلى شيء من الذهول ما يحجبني من إبصار نور ربي عز وجل، ثم أخذت أتصفح الكتاب صفحة فصفحة حتى وصلت إلى مبحث آداب المتعلم مع المعلم..
وما أن انتهيت من قراءة هذا المبحث إلا ووجدت نفسي واجمة، وإذا بدموعي تترعرع، وكيف لا، فقد أعاد -بفضل الله تعالى- هذا الكتاب رشدي بعد أن غاب عني حينا من الزمان، ولا أبالغ إن أقطع بأن كل سطر في هذا المبحث القيم اضطر هذا التلميذ الذليل إلى الاعتراف بفضلك يا سيدي، وأثبت غلطَ هذ التلميذ الحقير وسوءَ خلقه وضحلَ تفكيره.
يا سيدي، ها أنا ذا أعتذر إليك بالمعروف، فلا تحرمني شرف صحبتك ومدارسة علمك، وما أحسنني إن سلكت مسلك سيدنا موسى عليه السلام في أدبه مع أستاذه، فقد إعتذر إليه فيما بدر منه من اعتراض عليه بقوله: ﴿لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا﴾.ولله در الإمام النووي -رحمه الله- عندما يقول: «من لم يصبر على ذل التلعم، بقي عمره في عماية الجهالة، ومن صبر عليه آل أمره إلى عز الأخرة والدنيا». وقال سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: «ذللت طالبا فعززت مطلوبا».
والله أعلم! []
بيت الطلبة الإندونيسيين من نوسا تنجارا وبالي، 3 من أكتوبر 2013م

المرأة المنتظرة

بقلم: أحمد سترياوان هريادي
 
أبتْ يدي أن تكتب حاليا إلا في المرأة، وكيف لا فقد همني ذكرها، وما اليد إلا معبرة عما يجول في رأسي، ولا تسلني عن علتها، فقد طال جفاء القلب، وشعلت نار الرغبة في معرفة مَن هي الرفيقة المجهولة الأبدية، فقد زاد قربي من فراق الحياة ولم يزد قربي من تلك الرفيقة ولو شبرا، ولا يزال شأنها مجهولا غامضا، وفاضت على حياتي دُجية شبحها، فأضحت الحياة قحولا ما أغنى عنها ماء يشرب، ولا طعام يؤكل، ولا زينة يتزيّن بها.
ما أكثر المرأة في هذه الحياة! فها هي ذي مصرية وتلك تركية، ثم هذه فارسية وتلك صينية، ثم هذه روسية وتلك أمركية، ثم هذه ملاوية وتلك هندية؛ فما أكثر أجناسها! وما أغنى هذه الدنيا بها! فكم قد رأيت من أجناس المرأة، إما في الشوارع أو في المطارات أو في المحطات أو في الأماكن السياحية؛ فلا تزيدني رؤيتها إلا اعترافا بعظمة الخالق، وبراعة تصويره جل جلاله. لكن ما هذه ولا تلك بباقية فأنا ببقائها عندي مستريحٌ من فتنتها الباسلة، وما ملاقاتي إياها في أماكن شتى إلا وجمالها الساحر راقصٌ فرحٌ في القلب فيزعزع اطمئنان النفس واستقرار الهيئة.
ما أشد خداعكِ أيتها المرأة! فكم كنتُ منخدعا بسبب جمالكِ الفاتن، وهيئتكِ البرّاقة، وصوتكِ العذب؛ فما جاء الليل بعد إلا ويزداد جمالك فتنة، وهيئتكِ بروقا، وصوتكِ عُذوبة. وما أكذبك أيتها المرأة! فكم كنت متمنِّيا مجيئَكِ فتلوحينَ سعادة باسمة، وتذهبِينَ عني شقاء المعاش، لكنك ما جئتِ إلا لتتركينني فيما بعد فريدا فتضاعف ظلام الآلام وتجمّع سحاب الآمال.
ألا تدرين أيتها المرأة أننا -معشر الرجال- مُبتَلوْن بكِ في هذه الحياة الدنيا جملة وتفصيلا؟! وما أصدق الحبيب صلى الله عليه وسلم عندما يقول: «مَا تَرَكتُ بَعدي فِتنَةً أَضَرّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ». فلماذا أحببتِ أيتها المرأة أن تشددي علينا، فأظهرتِ ما أمركِ الله تعالى به ستره، وأنشأتِ في نفوسنا مباني الآمال الشامخة؟!
إنكِ لتعرفين حقا -أيتها المرأة- أنه ما أنا بقادر على التخلي عما فطرني الله به من الميول إليكِ، حتى أدفع عني شروركِ الحاسمة، فقد قال ربي عز وجل: ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآب﴾. إذن، أين الملجأ أيتها الرأة؟! لقد ملأتِ بسحر جمالكِ وروعة جسمكِ وبُعد صيتكِ زوايا الحياة جمعاء، وقديما قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه:
لا تأمننَّ من النساء ولو أخاً ** ما في الرِّجالِ على النِّساءِ أَمِيْنُ
إِنَّ الأَمِيْنَ وإِنْ تَعَفَّفَ جُهْدَهُ ** لا بُدَّ أَنَّ بِنَظْرَة ٍ سَيَخُونُ
القبر أوفى مَن وثقْتَ بِعهْده ** ما للنِّساءِ سِوَى القُبورِ حُصُونُ
أجل.. إنكِ لتضحكين مبتهجة على نفسي بما تصرخ من أسًى، وما تعانيه من اضطراب، وما توالت الأيام إلا وشددتِ عذابكِ على هذه النفس الضعيفة البائسة، وما دريتِ أنتِ شيئا من رنين بكائي في دياجي الليالي، ولا لفتِّ نظرَكِ إلى النفس التي دمّرتِ كل التدمير، وها أنا ذا مرتبك في حديثي، لا يغريني جبل من ذهب، ولا بحر من النعم؛ فقد تطاولتِ عليّ أيتها المرأة القاسية.
لكن ما هذا ولا ذاك بقادر على أن يجعلني ميّتا وأنفاسي لائحةٌ سيماءَ الحياة، وإني لظلّام نفسي إن خطر على بالي اليأس من رَوْح ربّي، فقد نهاني ربي عن ذلك عندما يقول على لسان نبيه يعقوب عليه السلام: ﴿وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ﴾؛ ولله درُّ شيخي الإمام محمد سيد طنطاوي عندما يقول مفسرًا هذه الآيةَ الكريمة: «أما المؤمنون فإنهم لا ييأسون من فرج الله أبداً، حتى ولو أحاطت بهم الكروب، واشتدت عليهم المصائب».
أجل.. إني -أيتها المرأة- لمعترِفٌ بعظمة فتنتك وشدة بلائك، فكم من رجال ذوي المناصب الرفيعة في العالم أجمع انخدعوا من أجلك، فأصبحوا أذلاء شائهين، ما أغنى عنهم أمجادهم في الماضي، ولا حسناتهم من شيء؛ لكن ما ربي بغافل عن الحل، فقد أوصى المؤمنين بقوله: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ، ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُون﴾؛ ولا الحبيب صلى الله عليه وسلم أيضا بغافل عن وصية أمته إذ قال: «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِيعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَهُ وَجَاءٌ».
النكاح.. إن أنسب الحل لي لَنكاحٌ، لكن مَن أنا؟! وأنَّى يكون لي ذلك؟! فما أنا إلا طالب جامعي مسكين من جزيرة سياحية صغيرة تسمى «لومبوك» في إندونيسيا، ولم يكن لديّ نسب رفيع أفتخر به، ولا شكل ممتع لمّاع أستميل به وجوه الناس، ولا مال وفير أستقرب به الناس قاطبة، ولا مهنة تقوّمني عندما أكون صاحب الأسرة، بل ولا سكن ثابت يحميني أنا وامرتي من حرارة النُّهُر وبرد الليالي؛ اللهم شتان بيني وبين النكاح.. اللهم ذلك شيء لا سبيل لي إليه حاليا مهما كانت الظروف..
فكيف يمكن فيما بعد أن يكون الكلام عن خصائص المرأة المرجوة سانحا، وأنت ترى ما أنا عليه حاليا؟! إنه لحديث الأحلام يا أخي.. لكنني معتقد كل الاعتقاد أن هناك امرأةً خلقها ربي لي لتكون رفيقة وفيَّة إلى الأبد، نستجمع آمال المستقبل فنبذل أقصى جهودنا لتحقيقها، ونبنى أسرتنا على هيئة مثّلها رسول الله صلى الله عليه وسلم تجمّع فيها إيمان راسخ وتقوى وتواد وتراحم وتكافل، ونسترضي ربنا في كل تصرفاتنا العلمية والعملية ما استطعنا إلى ذلك سبيلا.
لكن أين هي حاليا؟ وما شكلها؟ ومن أي جنس هي؟ اللهم لا علم لي بها من شيء.. وأيا ما كان الأمر، فإن شأنها لا يزال مجهولا غامضا، بيد أن نفسي في حاجة ماسة إليها، فحضورها بين يدي راحة للقلب، واطمئنان للنفس، واستقرار للهيئة. فوجودها عندي تخفيف لما أصابني حاليا من غوغاء فتن المرأة البشِعة؛ ما أحوجني إليكِ أيتها الرفيقة! أسأل الله أن يمَلّ عليكِ -أيتها الرفيقة- غيابُكِ فخلفه حضورُكِ.
هلمي إليّ أيتها الرفيقة! خذي بيدي واذهبي بي إلى مكان يلوح لنا سعادة باسمة، وتفوح منه عطور الرخاء، وتتفتح فيه زهور التقوى.. اللهم آمين..
والله أعلم! []

بيت طلبة إندونيسيا من نوسا تانجارا وبالي بالحي العاشر، 1 من شوال 1434هـ

إذا غضبت المرأة



إذا غضبت المرأة، 
فويل للمغضوب
ضاقت
عليه الدنيا..
وتزداد
بكلامها المستفزّ ضيقا
من غير أن ينقطع ولو لحظة..
ارتبطت الخطايا من الرؤية الأولى إلى الحالية
وأصبح خيره لها نسيا منسيا
ويل للمغضوب...

ويل للمغضوب...

مدينة البعوث الإسلامية بالأزهر الشريف، 28 من يونيو 2013
أحمد سترياوان هريادي
الطالب بكلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنين بالقاهرة، جامعة الأزهر الشريف

الإنسان والمصلحة

شعرت بشيء من الدهشة والإعجاب عندما أخبرني أحد الموظفين في السفارة الإندونيسية بالقاهرة الأستاذ محمد نور سليم، أن الفكرة الأساسية التي يسير عليها الدبلوماسيون في شئون العلاقات الدولية هي: «التيقن بأنه لا يوجد على ظهر الأرض شيء مجان».
ثم تأملت مليا، فوجدت قوله في غاية من الصدق، إذ كل التصرفات الدبلوماسية تنبني على ما هي أصلح للدولة، فالعطاء والاستلام بين الدول أساسها المصلحة، وكذا في حالتي السلم والحرب؛ وفكرة «الأخذ بقدر العطاء» تتمثل جلية فيما رأينا حاليا من تصرفات الدول في العالم، ولنسق لك مثالا للتمثيل على ما نقول.
ففي الآونة الأخيرة نجد «أمريكا» مثلا، فمن يتأمل تصرفاتها السياسية في دعمها «كوريا الجنوبية» الرأسمالية الأيديولوجية مالية وعسكرية، بإزاء محاولة شقيقتها «كوريا الشمالية» الاشتراكية الأيديولوجية الهجوم عليها بالأسلحة النووية، التي دعمتها «الصين» -الدولة المعروفة حاليا بأكبر اقتصادها في العالم- في أوائل إبريل ٢٠١٣ م.
أو في دعم «أمريكا» «اليابان» تجاه «الصين» بسبب النزاع الحدودي، المشير إلى إشعال نار الحرب بينهما؛ يتجلى له بوضوح ما نقصد من فكرة «الأخذ بقدر العطاء»، فـ«أمريكا» تحاول قدر طاقتها الإحقاق والإظهار، بأنها هي الشرطة الوحيدة في العالم -بزعمها-، التي تحافظ على العالم أمنه ورخاءه.
وبعد، فذلك أحد النموذج ما يتعلق بالإنسان والمصلحة، سقناه لك استهلالا لكلامنا بيد أن هناك ألوفا من النماذج الأخر التي أهملناها لضيق المقام.
فدُنوٌّ في الفكر وضعف في العقل لو خطر على بالك فكّ الإنسان عن مصلحته، إذ الإنسان بإزاء المصلحة كذَوَبان السكر في الماء، ومصلحة الإنسان -مع عدم انفكاكها- تتجدد يوما بعد يوم كتجدد الأيام؛ إلا أن المصلحة ليست كلها دميمة المقاصد كما يزعم البعض، فهناك مصلحة عامة يجب على كل فرد تقديمها على مصلحته الفردية، وكذا يجب تقديم المصلحة الأخروية على المصلحة الدنيوية، فتقديم كلتا المصلحتين تجسيد حيٌّ للكتاب والسنة، وإعلاء شأنيهما سمو في الفكر ورشد في التصرفات.
فالمصلحة القبيحة المظهر الكريهة المخبر هي أن تكون النفس أولية والعامة ثانوية، والدنيا مقدمة والآخرة مؤخرة. وأثر هذا المظهر انتشار أمراض القلوب في مجتمعنا، ما متمثلة في فقد التراحم والتواد بين أفراد المجتمع، وشيوع التكابر والتحاسد بينهم، فيأكل بعضهم بعضا؛ ولله در الإمام الشافعي -رحمه الله- حيث يقول:
وليس الذئب يأكل لحم بعض *** ويأكـل بعضنـا بعضـا عيـانـا
وهذا -بلا شك- يستحضر جوا سقيما ما هو بعيد تمام البعد عن تعاليم القرآن الجليلة، فالقرآن حكى لنا كيف كان الأنصار يحبون المهاجرين في أتم صورة المحبة، ويقدمون المهاجرين ما لهم من الأموال على أنفسهم مع شدة حاجتهم إليها. قال تعالى حاكيا هؤلاء المخلصين المؤمنين: ﴿وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون﴾.
هلّا تصفحنا حياتنا اليومية!
فمما لا شك فيه أن نجد أنفسنا مغترين دائما ببعض الناس الذين يحاولون إشباع مصلحتهم فينا، ما يتمثل في اجتماعهم حولنا وصحبتهم إيانا، وتقربهم إلينا؛ والعجب العجاب أننا نحسب هذه المظاهر فضلا لنا، وما هي إلا الاغترار..
 فتلك المظاهر أساسها المصلحة؛ فكلما توفرت فيك مصلحة الناس، قربوك من كل ناحية من نواحي الحياة، ما تدعم مصلحتهم؛ فإذا انتهت المصلحة، أو انتهى فيك ما تملكه من مطامعهم، تركوك سدًى، وانصرفوا عنك محاولي البحث عمن تتوفر فيه مصلحتهم، وهكذا..
ويا للأسف! إننا قد يحزننا انصرافهم عنا شديد الحزن، إذ الإنسان عاجز بانفراده ماديا كان أو معنويا، فهو -بطبعه- مائلٌ دائما إلى التمتّع بمعيّة الناس له، وعاثرٌ على نفسه بصحبتهم إياه نوعا من الفخر، وليس من العجيب عندما نجد كلام أولئك المتقربين مزيّنا بالمدح الجمّ تجاهنا؛ لكن لو تأملنا سويّا، لوجدنا ثناءهم علينا وغيورهم إلينا ليس إلا استباحا لهم في إشباع مطامهم على أملاكنا.
فهذه الخسارة المعنوية والمادية لن يعيها إلا أصحاب العقول الرشيدة.
ولست أعني بما سبق أننا نستبعد الناس قاطبة فنعيش فريدا، كلا كلا! فهذا محال على الفطرة الإنسانية السليمة، فالإنسان -كما أثبته العلامة ابن خلدون- مدني بالطبع،  بمعنى أن الإنسان لن يستطيع العيش بمفرده، إذ الحياة الصحيحة تنبني على التكامل والتكافل، فكيف يتم التكامل والتكافل إذا كان وحيدا من غير معاشرة الناس؟!
إنما أعني بما سلف أن نقدر علاقتنا بالناس -ما تتمثل في الصداقة- تقديرا دقيقا، وهذا يذكّرنا بإمبراطور الأدباء عبد الله بن المقفع، عندما يتكلم عن الصداقة والصديق في «الدرة اليتيمة»، فها هو ذا الذي نصح بالدقة في اختيار الصديق، لأنه يرى في الأصدقاء عماد الحياة، ومرآة النفس، يفضي عليهم ببنات صدره، ودخائل نفسه، ويضع عندهم وحدهم مكنونات سره، ويضع عنه مئونة الحذر والتحفظ. وهكذا..
وأريد أن تكون العلاقة بيننا وبين الآخرين تنبني على الأساس الصحيح والفطرة السليمة، لا سيما إذا كانت مستنيرة بهدي القرآن والسنة، كما كان يمثّلها الأولون من سلف الأمة؛ قال الله تعالى مصورا الأخوة بينهم: ﴿وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾؛ 
وفي الختام، ما أروع قول الأعرابي-الذي أورده أبو حيان التوحيدي في الصداقة والصديق- حينما سئل عمّن أكرم الناس عِشْرَةً، فقال: «من إن قرب مَنَح، وإن بعد مَدَح، وإن ظَلَم صَفَح، وإن ضويق فَسَح، فمن ظفر به فقد أفلح ونجح».
والله أعلم!
مدينة البعوث الإسلامية بالأزهر الشريف، ٢٨ من إبريل ٢٠١٣ 
كتبه أحمد سترياوان هريادي، 
طالب الفرقة الثالثة بكلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنين بالقاهرة، جامعة الأزهر الشريف، 
ورئيس تحرير مجلة "همة" لاتحاد الطلبة الإندونيسيين بجمهورية مصر العربية.

أيها العرب.. اهتموا بنا

ما ظنك لو كانت البلاد الإسلامية، التي هي مفخرة الإسلام اليومَ بأكبرعدد سكان المسلمين في العالم، لم تجد شأنها عند العرب، الذين -منذ القدم- تمتعوا بصحبة سيد المرسلين، ومشاهدة نزول الوحي الخاتم، واقتفوا آثاره مادية كانت أو معنوية؟
فهذا هو الواقع في بلاد جنوب شرق آسيا.
لو قارنَّا -من حيث العدد- بين سكان جنوب شرق آسيا المسلمين، وبين سكان العرب من بغداد العراق إلى رباط المغرب، لوجدنا عدد سكان جنوب شرق آسيا المسلمين يفوق العرب أضعافا مضاعفة. ويا للأسف! العرب لم يهتموا بهم.
ولو اتجهنا جغرافيا إلى دول جنوب شرق آسيا المسلمة، لبدت منها إندونيسيا وماليزيا وبروناي وسنغافورة وفطاني بجنوب تايلاند، وروهينيا بميانمار وفيلبين. وسكان هذه الدول تدينوا بدين الإسلام، غير أنهم لا يتكلمون بالعربية، ولم يجدوا -كما كان للعرب- حظا وافرا لمعرفة تعاليم الإسلام الأصيلة؛ إذ كانت الجزيرة العربية مسقط رأس الدولة الإسلامية في أيامها الأولى، ولا يدركوا حضاراته المزدهرة في القرون الوسطى من تقدمه في العلوم، وشتى مجالات الحياة.
وإذا ألفتنا نظرنا إلى تلك البلاد اليومَ نجدها تزدهر مسايرا فخامة الدول الغربية من حيث العلوم والصناعة. فلا غروَ، إذا وجدنا صلة وثيقة بينها وبين أمريكا والدول الغربية ما تتمثل في العلاقة السياسية والاقتصادية والعلمية.
أما من الناحية العلمية في إندونيسيا مثلا، فنرى طلبة البعثة العلمية الإندونيسيين حاليا في أمريكا وأوروبا يزدادون أضعافا على مرور السنين مما يستدعي إعجابنا، وهم ملتحقون بالكليات المتنوعة حسب ميولهم النفسية.
لكن من المؤسف أن بعضا منهم -منذ الستينات من القرن العشرين-  كانوا يتخذون جامعة «مكغيل» (McGill Univesity) الكندية، وجامعة «ليدن» (Leiden University) الهولندية وأمثالهما، منبعا لهم لتعاليم الإسلام والأفكار الإسلامية، ويدرسون فيها الإسلام ويتتلمذون على أيدي المستشرقين.
وبعد عودتهم إلى بلادهم، عينوا مدرسين وأساتذة بالجامعات الإسلامية في إندونيسيا. فلا عجب، إذا رأينا حاليا انتشار أفكار المستشرقين المشوهة للإسلام، والتقاليد الغربية المنحرفة انتشارا واسع المدى، التي لا ترضى أبدا أن يكون الإسلام مصدر التشريع لهذه الدولة، ولا تريد بتاتا أن يكون المسلمون متحدين. بل ومما يلفت أنظارنا، أن الطلبة الإندونيسيين في جمهورية إيران الإسلامية بلغوا الذروة من حيث العدد؛ حيث تشير الإحصائيات الجديدة ووسائل المعلومات الحديثة المعتبرة أن عدد الطلبة الإندونيسيين في إيران يفوق عدد الطلبة الإندونيسيين بالأزهر بأربعة آلاف طالب، وهم في إيران -بلا شك- يعدون هناك ليكونوا دعاة متشيعين ينشرون الأفكار الشيعية في المستقبل.
والآن نتساءل: أين العرب؟ كم سهمهم في محاولة دفاع هذا الهجوم الطاحن عن الإسلام؟ أهم مفتخرون بعطائهم العلمي الذي لا يساوي شيئا مما عليه الغرب والشيعة؟
إن سكان هذه الدول لا يحتاجون إلى العطاء المادي، كلا كلا! فإن تقدم دول جنوب شرق آسيا في العلم والصناعة والبناء، وأحوالها الاقتصادية، يتأبّيانِ عن التذلل لوجه العرب؛ بل إنما هم يحتاجون إلى العطاء الروحي. فما أحوجهم إلى من يعلمهم الإسلام كما كان للعرب في عصر الرسالة، وما أحوجهم إلى من يفهّمهم القرآن والسنة فيستنيرون بهُداهما، إنهم ليحتاجون إلى من يرد إليهم إيمانهم بهذا الدين الذي -كما قال الأستاذ سيد قطب- «يحملون اسمه ويجهلون كنهه، ويأخذونه بالوراثة أكثر مما يأخذونه بالمعرفة».
ونحن نعرف تماما أن العرب لن يستطيعوا بثّ دعوتهم في تلك المنطقة بمفردهم، فهم محتاجون إلى من يلمّ بطبائعها وتقاليدها ليكون مساعدا لهم. فها هم أولاء أبناء منطقة جنوب شرق آسيا الوافدون إلى الأزهر، حصن الإسلام والعربية الحصين. لكن يا للأسف! الأساتذة والدكاترة بالأزهر استخفوا من شأنهم أثناء المحاضرات بالكلية، وتجاهلوا أمورهم، واعتبروا وجودهم كعدمهم، بل تمتعوا بشرحهم الدروس بالعامية، وبمكالمة إخواننا المصريين فحسب.  
إذا كان الأمر كذلك، فكيف يحصلون أبناء جنوب شرق آسيا من الأزهر على العلم الذي -كما قال الشيخ يوسف القرضاوي- «يبين لنا الحق من الباطل في المعتقدات، والمسنون من المبتدع في العبادات، والصحيح من الفاسد في المعاملات، والحلال من الحرام في التصرفات، والصواب من الخطأ في الأفكار، والمحمود من المذموم في المواقف والأفراد والجماعات»؟! كلا كلا!
إذا كان الأزهر -الذي هو منارة أملنا لمستقبل الإسلام في جنوب شرق آسيا- لم يهتم بتعليمنا وتربيتنا، فإلى أين نلجأ؟      
وإذا لم يفكر العرب في حل هذه الأزمات، وإزالة هذه العقبات، ومقاومة هذه التحديات، فأي شيء، ثم أي شيء، ثم أي شيء بعد ذلك يرجى منهم؟ []

مدينة البعوث الإسلامية بالأزهر الشريف، 9 من إبريل 2013م
أحمد سترياوان هريادي
طالب الفرقة الثالثة بكلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنين بالقاهرة، جامعة الأزهر الشريف