قال عمر بن الخطاب

من عرض نفسه للتهمة فلا يلومن من أساء به الظن

قال حكيم من الحكماء

أربعة توصل إلى أربعة: الصبر إلى المحبوب، والجد إلى المطلوب، والزهد إلى التقى، والقناعة إلى الغنى

قال زيد بن علي

ولا تستعينوا بنعم الله على معاصيه

قال أحد الأدباء

مهما يكن احتفالنا بيوم الفراق، واغتباطنا ساعته؛ فإن الفراق لا بد أن يترك فيما بعد كما هائلا من الوحشة

قال حكيم

كن بعيد الهمم إذا طلبت، كريم الظفر إذا غلبت، جميل العفو إذا قدرت، كثير الشكر إذا ظهرت

في كأس المناظرة بالعربية

بقلم: أحمد سترياوان هريادي
كم كان قلبي اليوم بالفرح معمورا، وكم كان شعوري بالسرور مغمورا، وكم كان لساني بشكر الله مبلُولًا.. في هذا المكان الرحيب، رأيت العربية لأول مرة بوجودها تحتفي، ودارسيها فيها يتنافسون.
وفي هذا المكان الفسيح، رأيت همما في بنت عدنان إلى القمة تعلو، وأنوار العلوم فيه تنجلي، وأضواء الثقافة المختلفة فيه تلتقي.. فما أعظم هذه النعمة!
في هذا اليوم العظيم وجدت سبيل التشاؤم في مستقبل العربية تنقطع، حيث رأيت أناسا نجباء يأخذون بيد العربية فيستخرجون منها معجزاتها الخالدة، ورأيت كيف كانت العربية تستخرج منهم عجائبهم الإنسانية إلى حد بعيد.
فها هم أولاء الأعاجم الذين لم تكن لهم أيةُّ صلة بالعربية في مراحل النشوء، فأصبحوا حاليا نجوما زاهرة لما يملكونه من فصاحة وبلاغة وحرص على محافظة لغة التنزيل، فلا غروَ إذا أضحتْ أيامُنا بعد هذا اليوم المبارك بالتفاؤل حافلة.
هذان أخواي «سنوسي» و«ماواردي» الفطانيان يأتياننا بلباقتهما وعمق علمهما، وهاتان أختاي «فاطمة» و«إيئيس» تبهراننا بشدة ذكائهما وسعة ثقافتهما، وذانك أخواي «رمل» و«رحمدي» يسحراننا بفصاحتهما وقوة براهينهما، وهذا أخي «خضري» وهذي أختي «فورنا» يجعلاننا خجلِينَ من روعة اعتمادهما على أنفسهما، وعلو همتهما في العربية، ذلك لأننا من اعتمادهما وهمتهما منحدرون إلى أحط الدركات.. أضف إلى ذلك فضلاء المنافسين الآخرين الذين لم أذكر منهم إلا قليلا.
وهنا أود أن أقدر جهود إخوتي الكرام في اللجنة ما استطعت إلى تقديرها سبيلا، فإن الشكر من العبد لا يساوي شيئا مما بذلتموه من جهود جبارة وتفان في سبيلها، فالله الواحد الأحد أحق بشكركم من هذا العبد الفقير، فشكر الله تعالى لكم، ونفع بكم الإسلام والعربية.
وأود أن أخصص تقديري في هذه المناسبة لمؤسس «مركز كواكب الفصحاء» ومشرفه وأعضائه الكرام، فلولاكم لما كان هذا وذاك.. وكذلك أشكر رئيس اتحاد الطلبة المينانج كبويين الأستاذ «جاسري» على تفضله بعقد هذه المسابقة المباركة.
فاللهم كفاني شرفا أن أحب بنت عدنان، ومن يقوم بإعلاء شأنها حبا جما، وجدير بي هنا أن أذكر قول الشاعر الموفَّق:
يَطِيْبُ العَيْشُ أَنْ تَلْقَى أَدِيْبًا * غَذَاهُ الْعِلْمُ وَالرَّأْيُ الْمُصِيْبُ
فَيَكْشِف عَنْكَ حِيْرَةَ كُلِّ جَهْلٍ * وَفَضْلُ الْعِلْمِ يَعْرِفُهُ الْأَدِيْبُ
والله تعالى أعلى وأعلم!
بيت إندونيسيا في رابعة العدوية، 30 مارس 2014

الرياسة: حديث لا ينقطع

بقلم: أحمد سترياوان هريادي الإندونيسي
إن النفس الإنسانية قد طُبِعَتْ على رغبة ملحة في الرياسة، فلا نكاد نجد ثانية الحياة خَلَتْ، إلا وموضوع الرياسة قد سيطر على مجالس الناس، فصار محورا لأحاديث الاجتماع رئيسا، ومدارا لتطبيق مهارة الجدال رحيبا، ولنعلم كذلك أن الرياسة وحدها منطلق الفُرقة الطائشة، والعنصرية الجامحة، وبها الحروب لا تعرف مصيرا، والسلام لا يجد سبيلا، ومنها الشقاء المؤبد، والخوف المخلد.
وهنا نرى كيف أصبحت الرياسة أكبر الهم، ومبلغ العلم، وحاجة الحوائج.. ونرى كذلك كيف صارت الرياسة الدافع الأكبر لمعظم تصرفات الإنسان، فها هو ذا الأستاذ «ماكليلاند» الأمريكي من خلال نظرية الحاجة في كتابه «مجتمع الإنجاز»، أثبت أن الحاجة إلى الرياسة من أحد الدوافع الثلاثة لما عليه الإنسان من الأعمال، بجانب الحاجة إلى الانتماء والإنجاز.
ونريد في هذه المناسبة أن نمعن في حقيقة الرياسة أنظارَنا، والحق أن الرياسة يحسُن استخدامُها فتكون العدل والتقدم، ويقبُح فتكون الاستبداد والتخلف، ففي حسن استخدامها فجر يُشرِق، وظلام يَبِيد، وإنسان يُكرَّم، ومساواة تُحقَّق، وجهاد يدوم، وشعب يُنتِج، وأمة تسيطر، وتاريخ يعطر.. وفي قبح استخدامها ذلُّ العيش، وفساد الأوضاع، وشقاء الأبد.
يزداد أمل الإنسان طولا في نيل الرياسة، لكنه يفتقد وعيَه وفقهَه أن في الرياسة متاعبَ لا تُقدَّر، فيراقب كل وسائل توصله إلى قمتها، ولا يبالي بكثرة أموال تُنفَق، ومنتهى جهود تُبذَل، فحديث أنفاسه ودقات قلبه هو الرياسة وحدها، فيهمه كلُّ شيء يتعلق بها، ويشتهي الخوضَ في سماعه ومتابعته، أما الأشياء التي لا تتعلق بها فتصبح عنده هباء منثورا.. ذلك لأن الذي ملأ خاطره أن في الرياسة تكريما للنفس، وتقديرا للذات، وتاريخا يُكتب، وذكرا يَبقى.
لكن هذا الحريص على الرياسة أهمل أغلى شيء يملكه عندما يتولى زمام الأمر، ألا وهو عيش يرخو، ونفس تطمئن، ذلك لأن لهما ارتباطا متعاكسا بالرياسة ، ولا يشعر بهما إلا عند فقدههما، فكأنهما شيء يضَحِّي به كل من يريد الغوص في الرياسة..
صحيح أن في الرياسة نعيما يتدفق، وتكريما يتحقق، لكن لا قيمة لهما إذا افتقد العيش رخاءه، والنفس اطمئنانها.. فماذا ستفيده رياسته إذا كانت نفسه في كل وقت تتعرض لفجأة الاغتيال، وعيشه في كل لحظة يتمحور في مطالب لا تنقطع وحوائج لا تنتهي؟! وكيف يتمتع برخاء العيش إذا كانت حياته محدودة الحركة، وأيامه محبوسة الأنفاس؟! وأنى يكون لنفسه الاطمئنان إذا كان عيشه مليئا بالتصنع في حركاته وكلامه وابتساماته؟!
وعلى الجملة، إن الرياسة تفترض على كل من يملك زمامها أن يتحلى بالمظاهر الكاذبة، فأصبحت شخصيته غير الشخصية، وطبيعته غير الطبيعة، وحياته غير الحياة، ونفسه غير النفس، ومنطقه غير المنطق، إلا من عصمه الله تعالى.
ومن أعجب ما رأينا في الإنسان أنه مولع بشيء يشق عليه، فها هي ذي الرياسة (أعني رياسة الأمور العظام) بما فيها من مشاق لا قِبَلَ لها، لكن الإنسان مولع بها وحريص عليها، فهي -في نظر الناس- وسيلة للترقي اجتماعيا، وفرصة للبقاء ذكريا، فهل يوجد أحد لا يريد كليهما بطبعه؟ كلا! وما أظن أن هناك حيوانا لا يريد السيطرة على غيره فيرتضي الذل والهبوط.. وإذا كان الأمر كذلك، فما بالك بالإنسان الذي هيأ الله له كل الإمكانيات ليكون بها أسمى خلق الله جميعا؟!
هذا نظر الناس.. أضف إلى ذلك أن الرياسة أصبحت عندهم مغنما، يسعون جاهدين إلى الحصول عليه، وأضحت المناصب والوظائف ثراء، يتهافتون عليه تهافت الفراش عل الضوء.. ومن ثم، فلا عجب إذا رأيناهم يتخذون الرياسة وسيلة لإشباع مطامعهم النفسية ورغباتهم الفردية، وإذا كانت خزينة المرء -قبل توليه زمام الأمر- تكاد تخلو، فصارتْ بعد سنين قلائل من توليه مليئة هائلة، فالناس من الجوع والعطش موتى، وأصحاب الرياسة من الفساد والاستبداد أحياء.
ونحن إذا أردنا أن نعود إلى تعاليم ديننا، لنجدها تفارق وجهة نظر الناس تجاه الرياسة تمام المفارقة، فها هم أولاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يتحرجون من تقلد أي منصب مع تمام كفاءتهم، وكانوا لا يزالون في وَجَلٍ وتردُّدٍ عندما يذكون قول الله تعالى: ﴿تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾، ولا يزالون هائجين بما في الرياسة من الأعباء الثقال، إلا أن عظمة المسئولية فيها أمام الله تعالى لعل أكثر تضييقا لصدورهم ومعايشهم عندما يتولون أمرا من أمور المسلمين، فيحسون دائما بأن الله تعالى ابتلاهم بالرياسة وأعبائها، طبقا لقوله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ﴾، ويمثل هذا الإحساس قول عمر رضي الله عنه بعد توليه الخلافة: «إن الله قد ابتلاني بكم وابتلاكم بي».
وإذا كان هذا أمرهم، فأنى يكون لهم التشرف بالرياسة كما كان عليه الناس في يومنا الحاضر؟! شتان!
فإن الناس اليوم لايتحرجون من أن ينفقوا الأموال العريضة ليصلوا بها إلى الرياسة وينشروا دعاية لها، ولا يخجلون من الله تعالى عندما يزكون أنفسهم، فيزعمون أنهم على الحق وغيرهم على الباطل، بل ولا يتضيقون من استغلال الدين ما استطعوا إلى نجاح دعايتهم سبيلا، ولا سيما بعد تقلدهم الرياسة، ولله دَرُّ الشاعر الموفَّق عندما يقول:
وَهَلْ أَفْسَدَ الدِّيْنَ إِلَّا الْمُلُوكْ  * وَأَحْبَارُ سُوْءٍ وَرَهْبَانُهَا
والله تعالى أعلى وأعلم!
مدينة البعوث الإسلامية بالأزهر الشريف، 25 مارس 2014

أحمد سترياوان هريادي الإندونيسي
طالب الفرقة الرابعة بكلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنين بالقاهرة، جامعة الأزهر
ورئيس التحرير لمجلة «الطيف»
عنوان البريد الالكتروني: fetryx_hariadi@yahoo.com

مجلة الطيف في عامها الثاني

أصدرنا هذه المجلة المتواضعة في السنة الماضية بناء على رغبتنا الملحة في كونها انطلاقا فعليا لحياتنا العلمية والأدبية.. ولا بأس بنا إن نقطع بأن فنون الإلقاء -من كتابة وخطابة ونظم- في حاجة ماسة إلى مرْبًى رحيب فيه تتَرَبَّى، وميدان فسيح فيه تتدرب.
أضف إلى ذلك أن هناك شيئا محزنا يجب الاعتراف به أننا في منتهى من جمود القريحة.. فهذه القرائح الجامدة هي التي تسدنا عن الابتكار في حياتنا العلمية والأدبية والفنية، فلا عجب إذا وجدنا أنفسنا غير قادرين على الإتيان بشيء جديد، فالأفكار والأخيلة والمعاني هي نفس أفكار القدماء وأخيلتهم ومعانيهم.
فمواد الأخيلة ومنابع المعاني للقدماء -أمثال البحر والموج والسيف والأسد والفرس والشمس والقمر- هي هي في وقائعنا الأدبية المعاصرة.. فالحاصل أنه ما نحن حاليا إلا حثالات الحياة، حيث لو قورنّا مع المتقدمين فكريا أو علميا أو أدبيا، لوجدنا أنفسنا في أحط الدركات.
وعلى هذا، فلا بد من المبالغة في إعمال العقل، وسعة الاطلاع، وإبصار الواقع.. حيث أصبحت الإبداعات الحديثة والمخترعات العصرية، مجالات خصبة لتجديد الأفكار والخيالات والمعاني، فخلف موادَ القدماء موادُ العصر الحاضر أمثال التلفاز والإنترنت، والجُوجل والفيسبوك، والتويتر والإينستاجرام، والأفلام والروايات، والسيارة والطائرة، والقنبلة والدبابات، والبندقية والرصاص.
إلا أننا -قبل هذا وذاك- لا بد من تدريب دؤوب على الكتابة والنظم،  وتربية متواصلة للذوق السليم والنقد الحصيف.
فها هي ذي مجلة الطيف، أصدرناها لتكون ميدانا فسيحا للتدريب والتربية، ومدرسة أدبية  يتخرج فيها -بعناية المولى تبارك وتعالى- كبارُ الأدباء وفحولُ الشعراء من الأزهريين.

مدينة البعوث الإسلامية بالأزهر الشريف، 20 مارس 2014
أحمد سترياوان هريادي
رئيس التحرير لمجلة الطيف     

  











   

خاطري

لقد ملأ خاطري بعد تخرجي في الأزهر فكرة الدراسة في إنجلترا أو فرنسا، راجيا أن أكون في المستقبل رجلا تجمعت فيه ثقافات الدنيا من الشرق الأصيل، والعربية الإسلامية، والغربية المادية.. فأستطيع بتلك الثقافات الدفاع عن ديني، وإبصار الناس ما خفي عنهم من حقائق، ودعوة الناس إلى الهدى والسلام.
لكن حال بيني وبين أملي قصوري المادي، حيث لم أقدر على مكافأة معيشتي، فضلا عن مكافأة حياتي الدراسية هناك؛ وعاقني عن أملي قصوري العلمي، حيث ما رأيت في نفسي شيئا يجعلني لائقا بالالتحاق بإحدى جامعات في إنجلترا أو فرنسا.
إلا أني -مهما يكن قصوري المادي والعلمي- أملك طموحا جبارا أتفانى في سبيل تحقيق أملي، وروحا مولعة بالتحدي، لأني أرى في التحدي يقظة للوعي، واستخراجا للإمكانيات، وتقديرا لمعنى الحزم، واستجلاء للشخصية.
أجل.. حسبي يقيني بأن الله تعالى لن يضيعني مهما كانت الظروف، فما حياة المرء إلا همته، وما رأسماله إلا تفاؤله، وما ثباته على تحمل الشدائد إلا صبره، وهذا ما وسِعَني مِلْكه..

مدينة البعوث الإسلامية، 9 مارس 2014

أحمد سترياوان هريادي